العلاقات اليمنية – المغربية

يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية الحديثة بين المغرب واليمن إلى مطلع الستينيات من القرن الماضي، حيث افتتح النظام الإمامي (الملكي) الذي كان يحكم اليمن آنذاك مفوضية له في المغرب عام 1961م. وكان المغرب في طليعة الدول التي اعترفت بـ(الجمهورية العربية اليمنية) المعلن عنها في الشطر الشمالي من اليمن على اثر قيام الثورة اليمنية والإطاحة بالنظام الإمامي عام 1962م. وفي عام 1965م، تم إغلاق المفوضية اليمنية في الرباط وتولت السفارة المصرية في المغرب رعاية المصالح اليمنية.
تطورت العلاقات الثنائية بين المغرب واليمن برفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى سفارة، حيث تم فتح سفارة يمنية في الرباط عام 1978م وفي عام 1982م، اتفق المغرب والجمهورية العربية اليمنية على الانتقال بتمثيلهما الدبلوماسي إلى مستوى السفراء المقيمين. وفي عام 1984م، قرر المغرب فتح سفارة له في صنعاء. إلا أن العلاقات الثنائية ظلت مقتصرة على الجانب السياسي والمشاركة في المؤتمرات المنعقدة في البلدين وتبادل الرسائل والوفود والتنسيق في المواقف حتى عام 1985م، حيث تم التوقيع على أول اتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني بين المغرب والجمهورية العربية اليمنية.
وفي عام 1992م، وبعد الإعلان عن ميلاد (الجمهورية اليمنية) على إثر تحقيق الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي في 22 مايو 1990م، شهدت العلاقات المغربية -اليمنية قفزة نوعية، تمثلت على الخصوص في تشكيل اللجنة المشتركة المغربية -اليمنية للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والفني لتكون الآلية الرسمية لتنظيم العلاقات الثنائية وتأطيرها وتطوير التعاون في مختلف المجالات. وبتشكيل هذه اللجنة، تكون العلاقات الثنائية بين المغرب واليمن قد دخلت في مرحلة التعاون الملموس.
وقد عقدت اللجنة المشتركة لحد الآن أربع دورات، كانت الأولى في مدينة الرباط عام 1992م، تلتها الدورة الثانية في مدينة صنعاء عام 1997م، ثم الدورة الثالثة في مدينة الرباط عام 1999م وأخيراً الدورة الرابعة في مدينة صنعاء عام 2001م. وخلال الدورتين الثالثة والرابعة، تم التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون والبرامج التنفيذية ومحاضر الاجتماع.
ويعمل الطرفان حالياً لكي تكون الدورات المقبلة للجنة المشتركة أكثر حيوية ونشاطاً من سابقاتها والعمل أيضاً على توسيع مجالات التعاون وإعادة النظر في مستوى التنفيذ للاتفاقيات التي تم التوقيع عليها .لكن ظل تنفيذها بطيء الخطى. كما ينكب الجانبان حالياً على دراسة مقترح تقدم به وزير الشئون الخارجية والتعاون المغربي لرفع مستوى اللجنة المشتركة لتصبح برئاسة وزيري الخارجية في البلدين عوضاً عن وزيري التجارة حالياً.
 

الإطار القانوني للعلاقات المغربية – اليمنية
يتكون الإطار القانوني للعلاقات الثنائية المغربية- اليمنية من حوالى 53 اتفاقية وبروتوكول تعاون وبرامج تنفيذية ومحاضر اجتماعات تم التوقيع عليها بين المغرب واليمن في مناسبات مختلفة خلال الفترة ما بين عام 1985م و عام 2002م، منها اتفاقيات دخلت بالفعل حيز التنفيذ، ومنها أخرى توجد في طور المصادقة عليها من قبل السلطات المختصة في البلدين لكي تصبح سارية المفعول وتتحول إلى واقع ملموس. وقد وقعت هذه الاتفاقيات بين البلدين، أما على المستوى الحكومي أو على مستوى المنظمات والهيئات غير الحكومية (جامعة الغرف التجارية والصناعية، مركز إنعاش الصادرات، مجالس الأعمال، البرلمان، الجامعات، مركز التوفيق والتحكيم، نقابة الصحفيين، الجماعات المحلية).
ويتميز الإطار القانوني للعلاقات المغربية- اليمنية بحرصه على أن يكون إطاراً شاملاً ومتنوعاً، حيث تغطي الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين البلدين كافة مجالات التعاون، منها على الخصوص قطاعات الاقتصاد والاستثمار والتجارة والصناعة والشؤون المالية والجمارك والسياحة والشؤون الثقافية والعلمية والأشغال العمومية والصيد البحري والنقل البحري والبري والشباب والرياضة والاتصال والشؤون الداخلية والإدارية والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والصحة والعمل والتكوين المهني والتعاون الفني والكهرباء والمياه والوثائق وإعداد التراب والتعمير والأوقاف والشؤون الإسلامية والسكنى والخدمات البريدية، إلى جانب احداث اللجنة المشتركة المغربية – اليمنية للتعاون.
 

علاقات ممتازة ومتميزة
إن العلاقات السياسية القائمة بين المغرب واليمن هي علاقات كانت على الدوام ممتازة ومتميزة، خالية من أي نزاع أو أدنى خلاف. إنها علاقات متينة، شاملة ومتنوعة، ما فتئت تنمو وتتطور في ظل الإرادة السياسية .
كما أنها علاقات تعاون يقويها ويدعمها باستمرار وجود أواصر الصداقة والأخوة والإيمان بوحدة العقيدة والانتماء والمصير والمصالح المشتركة، وكذا الرغبة الأكيدة التي يعبر عنها باستمرار الجانبان المغربي واليمني في تنمية العلاقات الثنائية وتعزيزها لما فيه مصلحة البلدين وخير الشعبين الشقيقين.
ومن جانب آخر، تنمو العلاقات المغربية -اليمنية وتتطور في ظل روح التفاهم والاحترام المتبادل والتوافق والتطابق في وجهات النظر بين البلدين إزاء القضايا الكبرى والملفات الإقليمية والدولية، انطلاقاً من إيمانهما بأن تحقيق السلام والتعاون هما الغاية النبيلة للعلاقات بين الدول وأن الحوار البناء يبقى هو الأسلوب الأمثل لحل النزاعات والخلافات بين الدول بطرق سلمية. كما يؤمن البلدان بأهمية التعاون والتفاهم بين الدول لتحقيق المصالح المشتركة والاستفادة من المنافع المتبادلة على أسس واضحة وثابتة، قوامها احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ونبذ العنف وتسوية الخلافات والمنازعات بطرق سلمية، والحرص على تطوير العلاقات مع دول الجوار والدول الشقيقة والصديقة والبحث عن السبل الكفيلة بإعادة التضامن العربي إلى سابق عهده.
وتتميز العلاقات الثنائية أيضاً بالاستعداد المتبادل لتطوير علاقات التعاون وتوسعها لتشمل كافة المجالات، وذلك عبر تفعيل اللجنة المشتركة المغربية -اليمنية للتعاون وتشجيع العلاقات بين الفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص، وكذا على مستوى منظمات المجتمع المدني.
ولعل أبرز دليل على متانة العلاقات القائمة بين المغرب واليمن هو تنامي التواصل المستمر والتنسيق التام بين قائدي البلدين، وتكثيف تبادل الزيارات واللقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين على مختلف الأصعدة والذي تسارعت وتيرته في السنوات الأخيرة، وكذا انتظام عقد اجتماعات اللجنة المشتركة المغربية – اليمنية للتعاون في وقتها المحدد بالتناوب في كل من الرباط وصنعاء.
 

تفعيل الجانب الاقتصادي
وتعتبر علاقات التعاون المغربية – اليمنية نموذجية في تطويرها وفي نتائجها وفي التفاهم العميق بين قيادتي البلدين الشقيقين. لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين لا ترقى إلى مستوى العلاقات السياسية وإلى تطلعات القيادتين في البلدين وشعبيهما.ورغم ذلك تحقق الكثير في هذا الإطار، لكن المسؤولين في البلدين يطمحون إلى ماهو أفضل وخاصة في مجالات التبادل التجاري والمشاريع التنموية المشتركة. وهذا يحتاج إلى جهد كبير لأن الأمر لا يتعلق بقرار إداري يتخذ على مستوى السلطات الرسمية، بل يحتاج إلى مبادرات يقوم بها القطاع الخاص ورجال الأعمال في البلدين، وهذا عادة يحتاج إلى تكثيف الجهود لأن رجال الأعمال تحكمهم ضوابط المنافسة والجودة والخبرة في التصدير والتعامل الحر مع قوانين ودوائر وأنظمة تحتاج على الدوام إلى متابعة ومراجعة مستمرة ومنتظمة.
وفي كل مناسبة يعبر المسؤولون في البلدين عن إعجابهم بما تحقق في كل من المغرب واليمن من منجزات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، معتبرين بأن الجهود التي يبذلها المغرب واليمن للدفع بالمسيرة الديمقراطية وتحقيق التنمية الشاملة تستحق التنويه كونها تشكل تجربة رائدة وفريدة في العالم العربي ومثالاً يتعين الاقتداء به في كافة المجالات.
كما يشيدون بالمستوى الرفيع للعلاقات السياسية التي تجمع بين البلدين وجودة علاقات التعاون القائمة بينهما والمجهودات التي ما فتئ يبذلها الطرفان من أجل تعزيز وتعميق أواصر الصداقة والأخوة بين الشعبين الشقيقين المغربي واليمني.
وقد تجسدت رغبة البلدين في تطوير العلاقات الثنائية وتوسيع مجالاتها في حرصهما على انتظام اجتماعات اللجنة المغربية -اليمنية للتعاون التي تجتمع كل سنتين وتزايد الزيارات بينهما على كافة الأصعدة.
 

اللجنة المشتركة المغربية – اليمنية

تم إنشاء اللجنة المشتركة المغربية – اليمنية للتعاون سنة 1992م بموجب “اتفاق إنشاء لجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والفني بين المملكة المغربية والجمهورية اليمنية، الموقع بالرباط بتاريخ 2 سبتمبر 1992م.

 

حصيلة اجتماعات اللجنة

أسفرت اجتماعات اللجنة على إبرام 27 اتفاقاً وبروتوكولاً وبرنامجاً تنفيذياً ومحضراً للتعاون في مجالات مختلفة غطت معظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منها -على سبيل التذكير- التعاون في الميدان التجاري والاستثمارات والنقل البحري والجوي والتعاون الفني في مجال الكهرباء والمياه والصحة والتربية والتعليم والسكان والإسكان والشباب والرياضة والسياحة والعمل والشؤون الإسلامية وتبادل الوثائق. وتأتي هذه الوثائق لتضاف إلى الاتفاقيات الأخرى التي تم التوقيع عليها خارج إطار اللجنة المشتركة، ليصل العدد الإجمالي للوثائق التي تشكل الإطار القانوني لعلاقات التعاون بين المغرب واليمن إلى ما يناهز 53 اتفاقاً.

 

تبادل الزيارات والوفود
شهدت السنوات الأخيرة تكثيف تبادل الزيارات والوفود بين المغرب واليمن على مختلف المستويات وفي كافة مجالات التعاون السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والرياضية. وقد مكنت هذه الزيارات الوفود المغربية واليمنية من الإطلاع على تجربة البلدين في ميادين مختلفة ودراسة إمكانية الاستفادة منها. كما ساهمت هذه الزيارات في الدفع بعلاقات التعاون بين البلدين والارتقاء بها إلى مستويات أفضل والتعاون في مجال الصيد البحري و في مجال النفط والمعادن وإلى ذلك هناك التعاون في المجال البرلماني وفي مجالات الفلاحة وفي مجالات النقل ويظل التعاون في مجالات التربية والتعليم من المجالات المهمة في التعاون بين البلدين الشقيقين، إضافة إلى أهمية التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي من خلال آلية التبادل للدارسين في مجال الدراسات العليا والتي وصل فيها عدد الدارسين في الجامعات والمعاهد المغربية من الدارسين اليمنيين إلى ما يزيد عن مائة طالب أكاديمي خلال الثلاث السنوات الأخيرة.